جبرائيل قال لـ «الشرق الأوسط» : البابا تعرض لمحاولات اغتيال من القذافي والسادات .. والقذافى عرض عليه الدخول إلى الإسلام
القاهرة: منى مدكور
كشف الدكتور نجيب جبرائيل مستشار بابا المسيحيين المصريين الراحل، شنودة الثالث، عن تعرض البابا لمحاولات اغتيال واختطاف من كل من العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، والرئيس المصري الراحل أنور السادات، وذلك خلال نحو أربعة عقود من نشاط البابا الذي اتخذ مواقف كانت تتعارض على ما يبدو مع توجهات الزعيمين السابقين. ولا يوجد ما يعزز رواية جبرائيل، الذي عمل كمستشار قانوني لشنودة حتى وفاته قبل نحو خمسة عشر يوما، لكن جبرائيل أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن المجمع المقدس سينشر مذكرات البابا قريبا. وقال المستشار القانوني السابق للبابا شنودة، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، إن الرجل تعرض لثلاث محاولات اغتيال ومحاولة اختطاف على مدار واحد وأربعين سنة، أي منذ توليه منصب البابوية حتى وفاته مؤخرا، عن عمر يناهز التاسعة والثمانين عاما.
وفي رواية تظهر للمرة الأولى، أضاف جبرائيل أن إحدى محاولات اغتيال البابا قامت بها مجموعة تتبع القذافي بعدما رفض البابا دخول الإسلام على يدي القذافي. وقال جبرائيل: «حكا لي البابا شنودة أن القذافي عرض عليه الإسلام مقابل مليون دولار، وذلك أثناء الزيارة الوحيدة التي قام بها البابا إلى ليبيا بعد أن جاءته دعوة من القذافي لحضور افتتاح مؤتمر الاتحاد الاشتراكي العربي».
وأضاف جبرائيل: «بالفعل ذهب البابا وحضر المؤتمر وألقى كلمة طيبة رائعة وكان ذلك في شهر أبريل (نيسان) 1972، وأثناء الزيارة، التي وافق خلالها القذافي على تأسيس كنيسة قبطية أرثوذكسية في مدينة طرابلس وأخرى في بنغازي.. أثناء ذلك انتحى القذافي بالبابا جانبا وعرض عليه مبلغ مليون دولار مقابل أن يدخل الإسلام ويترك المسيحية، ولكن البابا بدماثة خلقه اعتذر للقذافي شاكرا له عرضه السخي».
وأضاف المستشار السابق للبابا الراحل أنه بعد عودة البابا شنودة من ليبيا إلى مصر، «فوجئ بمجموعة من الرهبان المزيفين يريدون زيارته في الدير»، لكن اتضح أن «شكلهم غير مريح»، وأن «الربيطة (وهم الرهبان المسؤولون عن تأمين الدير)، ارتابوا فيهم، وعرضوا على البابا الأمر، فطلب منهم أن يعرضوا عليهم تقديم واجب الضيافة لهم، وكان ذلك في أيام الصوم الكبير، وهي أيام لا نأكل فيها أي أطعمة حيوانية أو مشتقاتها كاللبن».
وتابع جبرائيل قائلا: «إن واجب الضيافة الذي تم تقديمه للرهبان المزيفين كان عبارة عن شاي باللبن، فوافقوا، وبالفعل شربوه، فتم القبض عليهم وإحالتهم إلى مديرية أمن البحيرة التابعة لوادي النطرون، واكتشفوا أنهم كانوا مبعوثين من القذافي لاغتيال البابا»، مشيرا إلى أن الكنيسة أخطرت السلطات المصرية العليا في حينه، لكن لم يكن من السهل أن تثار مثل هذه الأمور لعدم خلق أزمة دبلوماسية بين ليبيا ومصر.
وأوضح جبرائيل أنه وبسبب هذه الواقعة لم يلتق البابا شنودة والقذافي أبدا.. «حتى في زيارات القذافي الرسمية لمصر كان البابا يعتذر ولا يذهب للقائه».
وتحدث جبرائيل عما اعتبره محاولة ثانية لاغتيال البابا شنودة قال إن مؤشراتها كانت بادية بوضوح حين توجه في إحدى المرات عام 1981 لزيارة البابا الراحل حين كان يقيم تحت الإقامة الجبرية في وادي النطرون أيضا. وتابع قائلا: «في ذلك الوقت كنت أشغل منصبا قضائيا، حيث كنت قاضي محكمة، واستطعت أن أحصل على تصريح من أحد أصدقائي في نيابة أمن الدولة لزيارة البابا شنودة، الذي كشف لي عن أن جميع القوات الأمنية التي كانت تحيط بالدير من كل جانب، توجه فوهات مدافعها وأسلحتها ومدرعاتها في اتجاه الدير وليس العكس».
وأوضح جبرائيل أن هذا التصرف كان يدعو للدهشة «حيث إنه من المفترض أن هذه القوات تحمي الدير من محاولات الاقتحام من الخارج وليس لضرب الدير أو الخارجين منه»، معربا عن اعتقاده في أن هذه القوات كانت تنتظر أمرا بإطلاق النار في حال وجود أي تحرك قد تراه السلطات تحديا لقرارات السادات.
ومضى مستشار شنودة قائلا، عما يعتبره المحاولة الثالثة لاغتيال البابا، إنها جرت، وفقا لرواية من أحد سكرتارية البابا لجبرائيل.. «بعد أن رفض قداسة البابا سفر المسيحيين إلى إسرائيل قبل حل القضية الفلسطينية، وصدور قرار السادات بنفي قداسة البابا شنودة إلى دير الأنبا بيشوي»، أطلقت قذيفة صاروخية على مقره. وأضاف أن هذه الحادثة وقعت بعد أن تم تغيير مكان البابا ونقله من «قلايته (مقر إقامته)» إلى الكنيسة، مشيرا إلى أنه بعد وصول البابا شنودة إلى الكنيسة «نزلت دانة من صاروخ موجه على قلاية قداسة البابا وحطمتها حتى سوتها بالأرض». وقال إن هذه الواقعة حدثت قبل أسبوع من مقتل السادات في حادث المنصة.
وتحدث جبرائيل عن واقعة أخرى قال إنها عبارة عن محاولة اختطاف، أثناء الأزمة مع السادات أيضا، وقال: «محاولة الاختطاف هذه كانت في دير الأنبا بيشوي، وحينما حاول مجموعة من ضباط مباحث أمن الدولة حينها الدخول إلى الدير بحثا عن البابا، لكنه تخفى في زي راهب وسط 40 راهبا آخر في كنيسة الأنبا بيشوي الأثرية». وقال: «إن أحد الضباط أراد أن ينتظر في الدير لمعرفة (القلاية) الخاصة بالبابا تمهيدا لاختطافه لاحقا ولكن لم يستطيعوا».
وكشف جبرائيل عن أن البابا شنودة، حين اختلف مع السادات أثناء اعتقالات سبتمبر (أيلول) 1981، كانت تنتظره الزنزانة رقم 1 في سجن وادي النطرون، وليس الإقامة الجبرية في الدير، قائلا إن الوزير القبطي الأسبق بطرس غالي (وزير الدولة للشؤون الخارجية حينذاك) تدخل حتى لا يوضع البابا في الزنزانة. وعن سر العداء الذي كان بين البابا شنودة والسادات، قال جبرائيل: «في فبراير (شباط) 1978، وبعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل استدعى السادات البابا شنودة في منزله وحاول إثناء قداسة البابا عن موقفة المتشدد والسماح للأقباط بزيارة القدس ولكن البابا شنودة أكد أن الأقباط لن يزوروا القدس إلا مع إخوانهم العرب المسلمين».
وكشف جبرائيل عن أن البابا شنودة كتب مذكراته بالفعل، قائلا: «نعم دوَّن البابا شنودة مذكراته والمجمع المقدس سيفصح عن محتوياتها للرأي العام، بعد الذكرى الأربعين وانتخاب البابا الجديد، وذلك في شكل حلقات مسلسلة على أن ينشرها في كتاب في وقت لاحق».