قداسة البابا شنودة ماذا قال عن خطايا الجهل
قد يخطئ شخص عن شهوة أو سوء نية, وقد يخطئ آخر عن جهل ويدخل في نطاق الجهل: عدم المعرفة, وعدم الفهم, وسوء الفهم, ويقع في هذا الأمر العديد من الناس وحينما نقول( عدم المعرفة) لانقصد المعني المطلق لهذه الكلمة, إنما معناها بطريقة جزئية أي عدم معرفة الشيء الذي يخطئ فيه, أو عدم فهمه له, أو سوء فهمه له.. وينطبق هذا الأمر علي كثيرين, حتي من الكبار.. وسنحاول في هذا المقال أن ندخل في تفاصيل هذا الموضوع:
** من الأمثلة الواضحة: بعض سكان القري الذين يعيشون في جهل بأشياء عديدة. يأتي إليهم من يقودهم فكريا في اتجاه معين سياسي أو مذهبي أو اجتماعي. فيرددون ما يقال لهم عن غير وعي أو غير فهم, وقد يتحمسون لما سمعوه وينشرونه فيخطئون عن جهل. ويذكرني ذلك بما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي في كتابه( مصرع كليوباترا) عن مثل هذا الشعب:
أثر البهتان فيه..وانطوي الزور عليه ياله من ببغاء.. عقله في أذنيه وللأسف قد يقع في هذا الأمر أيضا بعض الكبار من المتعلمين والمثقفين وأصحاب المناصب. ولكنهم علي الرغم من ثقافتهم في مجال اختصاصهم, فإنهم علي جهل بما قيل لهم فتأثروا به وأخطأوا وانقادوا كغيرهم!!
هنا وأذكر حرب الشائعات: يطلق بعضهم شائعة معينة, أو ينشرها في إحدي الصحف ووسائل الإعلام, وقد تكون بعيدة عن الحقيقة كل البعد, ومع ذلك تجد من يصدقها ويتأثر بها. وربما يرتكب تبعا لذلك أخطاء عديدة, تكون أيضا أخطاء عن جهل.
وتدخل في هذا الموضوع دعايات عديدة خاطئة ومغرية تسير في اتجاه غير الحقيقة ومن يتبعها يخطئ عن جهل!
ولقد صادف السيد المسيح بعضا من قادة اليهود, مثل الكتبة والفريسيين والصدوقيين, كانوا يقودون الشعب في طريق خاطئ, مع أنهم من رجال الدين! وذلك بتفسيرهم الدين تفسيرا منحرفا. والذين ساروا وراءهم أخطأوا. وكانوا لايدرون ماذا يفعلون! ولذلك قال السيد المسيح عن أولئك القادة: إنهم أغلقوا أبواب الملكوت أمام الناس, فما دخلوا هم, ولا جعلوا الداخلين يدخلون! كما قال عنهم أيضا قادة عميان, ينطبق عليهم المثل القائل: أعمي يقود أعمي, كلاهما يسقطان في حفرة!
أليس عجيبا أن يصدر الجهل ممن يدعون أنهم مصادر المعرفة! ومن يثق بهم ويصدقهم, يخطئ عن جهل..
من العجيب أيضا أن الالحاد يدل علي جهل, مع أن ناشريه يوصفون بأنهم فلاسفة! ولكنهم علي جهل بالله, وجهل بنشأة الخليقة ومصدر الطبيعة, وجهل بالعالم الآخر وبالملائكة والحياة بعد الموت...! ولو كانوا علي علم أو ذوي معرفة, لعرفوا أن السموات تحدث بمجد الله, والفلك يخبر بعمل يديه كما ورد في المزمور. من أجل هذا كله, قال داود النبي أيضا في المزمور: قال الجاهل في قلبه: ليس إله فوصفه بأنه جاهل, حتي لو كان من الفلاسفة, ومهما ادعي لنفسه من العلم..
يمكننا أن نقول ايضا إن عبادة الأصنام كانت لونا من الجهل بطبيعة الله الكلي المعرفة والقدرة, إذ كيف يمكن أن يعبد الناس وثنا لايعقل ولايتكلم, وقد صنعوه بأنفسهم من الحجارة أو المعادن؟!
لذلك, من أجل مقاومة الجهل بالدين, أرسل الله ـ تبارك اسمه ـ الأنبياء, وأقام المعلمين والمرشدين, لكي ينقلوا الناس من ظلماتالجهل إلي النور. كما أمر الوالدين في كل أسرة أن يعلموا أبناءهم, ويثبتوهم في معرفة الله والإيمان به.
وبهذه المناسبة أقول إن بعض الأمهات, إذا أخطأ طفل واحدة منهن, تقول له إنك بذلك ربنا يزعل منك وتكرر هذا الكلام في كل خطأ, فينشأ الطفل غاضبا من الله الذي باستمرار يتضايق منه!
ومن أجل التوعية والإرشاد, أوجد الله في أعماق كل إنسان ضميرا يهديه الي الخير, ويبكته إذا أخطأ. والضمير السليم هو قاض عادل في أحكامه ولكن قد يحيطه الضباب في بعض الأمور, فلا يميز أين الصواب وأين الخطأ! لهذا أرسل الله الوحي الإلهي في كتبه المقدسة, لإرشاد الناس عن يقين, حتي لايخطئوا عن جهل.
إن الجهل له ايضا تأثيره القوي في الحياة العملية. وسنضرب لذلك بعض الأمثلة: ومن أهمها جهل البعض بمفهوم الحرية. وظنهم أنه من حق الإنسان أن يفعل ما يريد دون أن توقفه وصايا الله, ولا قواعد النظام العام, ولا العرف السائد!! وهكذا فإن الـLiberals( أي المتحررين) في بعض بلاد الغرب يسمحون بزواج المثلHomeuality باعتبار أن ذلك يدخل في الحرية الشخصية! كما يسمحون أيضا بحرية المرأة في إجهاض جنينها دون أي قيد أو شرط كما يسمحون أيضا ـ في نطاق الحرية ـ بأخلاقيات أخري منحرفة! وكل ذلك يدل علي جهل بمفهوم الحرية ونطاقها.
كذلك قد يخطئ الإنسان عن جهل بمفهوم العظمة, حينما يظن أن العظمة في التعالي والتباهي, وفي أن يأمر وينهي, ويرغم الغير علي الخضوع له, وأن العظمة ايضا هي في المال والمناصب! بينما كل هذه مجرد مظاهر خارجية. أما العظمة الحقيقية فهي الشخصية المتكاملة المتجملة بالعقل والحكمة وسائر الفضائل..
أيضا ما أكثر مايخطئ الإنسان عن جهل بمفهوم السعادة. فالبعض يظنون أن السعادة في اللهو ومتعة الجسد, وفي الجاه والغني, فينهمكون في اللذة الزائفة. وفيما يظنون أنهم يسعدون أنفسهم, فعلي العكس يهلكونها عن جهل. وهناك ايضا من يخسرون حياتهم الزوجية, لجهلهم بحقوق كل زوج تجاه الآخر, وبطبيعة الحياة الاسرية وطريقة حل مشاكلها.
وأخيرا, يوجد من يضيع نفسه, لجهله بحقيقة نفسه وما يلزمها هاهنا وفي الأبدية لذلك صدق ذلك الحكيم الذي قال: اعرف نفسك.